بعض نفسي … رحلت

Image result for ‫الرحيل بصمت‬‎

خرجت المعزية الأخيرة ، ودعتها عند الباب أشكر لها تجشمها الحضور كان الليل قد أرخى سدوله ، وتكاثفت حجب الظلام في الفراغ الممتد أمام باب الدار ، أغلقت الباب خلف صديقتي ، وأسرعت لأطفئ أنوار كل البيت ، ورحت أتجول  في الظلام  في أركان بيت أعرف كل ملامحه ، فقد صنعت تلك الملامح بيدي ، بأحداث عمري ، تلك اللوحة التي رسمتها صغيرتي الكبيرة ، اعرف تفاصيل ألوانها ، وذلك المفرش الذي حكته بيدي ، مصحف زوجي ونظارته ، أوراق ابنتي …

لا أدري لماذا استهواني النظر إلى هذا المكان في الظلام ، هل أريد أن أحاكي ظلمة الفضاء المحيط ؟

هل أرغب أن أعيش مثل ما يعيش أهلى هناك ، حيث لا ماء ولا كهرباء .

هل ابحث عن ساعة هدوء بعد يوم عاصف . أريح فيها سمع وبصرى ، لاركز طاقتي في خيالي ، واستجمع أكبر عدد من الصور لأخزنها ، فليس ثمة صور جديدة ستأتي بعد اليوم

أم أننى كنت أحتاج هذا الظلام لأرى ما بداخلى  ، فحجب الرؤية عما يحيط يساعدنا في رؤوية داخلنا بصفاء أكثر ، كم كنت بحاجة لأن أتعرف على ذاتي الجديدة , فبعد هذا الجرح الغائر لابد أن ملامحي تغيرت .

عندما يفقد الانسان رفيق دربه ، يفقد معه بعض نفسه ، هذه حقيقة . فكيف بي وقد فقدت رفيقتين دفعة واحدة .  

وتربعت في ظلام الصالة أسندت ظهري لجدارها الكبير ، ورحت أحدق في الظلام ، هل حقا رحلتا ؟

رحلتا معاً ، هل  كانتا على موعد ؟ وضرت كفا بكف ( فعلنها ثانية) ، كنا ونحن صغار يحلو لهما أن تختفيان عني ، تعتزلان في ركن قصي تتحدثان ، تتشاجران ، وكنت دائما  أنا اقف وحيدة على جانب الحدث ارقب صفاء العلاقة بينهما أو تكدرها ، على حسب مزاج اللعب ، وكنت أحيانا أتطلع أن أكون جزءا من الحدث ، جزءا من اللعبة ، وفي أحيان أخرى أسعد أنني غير منخرطة في ذلك كله ، ويعجبني أن أبقى أنا الصغيرة التي تقف على الحياد ، والتي علاقتها متساوية مع كل الأطراف ، حتى ولو جعل ذلك حياتي باهتة ليس فيها ذلك التأجج الذي كان يعتمل هناك بينهما  .

وكبرنا قليلاً ، وظلت العلاقة بيني وبينهما على نحو ما كنا في أيام الطفولة ، فقد كبرن ونضجن سريعاَ ،فتزوجن وأنجبن ، وأنا مازلت أحمل جديلتين على طرفي رأسي ، أقف جانباً ارقب تلك البهارج والزينات والملابس الجميلة ، وأنا مثقلة بحمل كتبي من عام دراسي إلى عام دراسي آخر ، كنت من عالم غير عالمهم ، ولكني كنت دائماً معهم ، كانتا تتسابقان دائما تتنافسان أحياناً ، وكنت أنا أرقب عن كثب ما يدور بينهما ، ولا أرى في ذلك إلا غلاف الحب ، وجوهر علاقة ود عميقة  تمنح حياة كل منا بريق بهجة  لا يمكن أن يخفى على أحد ، ولا أدري كيف صار ذلك الاختلاف بيننا عامل تجاذب ، فصرت القريبة  رغم البعد ، المتفهمة رغم الاختلاف ، وصرت كلما شعرت برتابة حياتي ، وملل في عمري أقفز إلي بيت واحدة منهما ، لأجد نفسي في عالم مختلف ، هموم لم أصل إليها بعد  ، فجدائل حبهم كانت تصعد بي عالياً عن كل هموم حياتي ، لمسة سحرية من لون مختلف تجعل لوحة عمري أجمل ، تجعلني أبصر ألواناً من الحب لا أراه إلا عندهما ، ولم تستطع الغربة أن تفرق بيننا ، ولا أن تخفت ذلك الألق الجميل الذي كان يوشي تلك العلاقة ، التي تنجدل فيها ذكريات الطفولة ، بأواصر القرابة  جدائل الحب ، لتجعل حياتنا أجمل .

 واليوم هاهما رحلتا , وتركنني وحدى أحدق في الفراغ المظلم .

حتى ذلك الصوت الضعيف الذي ينساب من سماعة الهاتف لم أعد أحلم أن أسمعه ، تلك الدعوات التي كانت تنساب كشلال حب ، قد انقطعت .

كنت اقتات على تلك المشاعر التي تربطني بحبال أمي ، ولا ادري غداً من أين سأقتات .

لماذا رحلتن سريعا هكذا ؟

فأنا ما زلت في نظر نفسي تلك الصغيرة التي تتطلع للداتها اللواتي يكبرنها قليلاً لكي يلون لوحة حياته بفرشاة الفرح .

أنأ أدرك أن الموت بوابة وعلينا جميعا أن نعبرها ،  إلى حياة جديدة ، اخرى مختلفة ، وليس لنا في ذلك خيار ولا اختيار 

  نعم الموت ليس أختيار ،  بالنسبة لمن يموت ، ولكنه اختيار الأحياء ، فكم حكمنا بالموت على شخص حي وأنهينا وجوده في حياتنا ، وكم من ميت مازال يعيش بيننا بذكراه ، بكلماته ، وصفحة وجهه التي تحتل خيالنا .

ولكن الموت حقيقة ،  واقع يجب أن نتقبله ونتعايش معه … فأن تموت رفيقتي عمري  فهذا يعني أنهما  لم تعودا هنا ، افتح هاتفي المحمول ابحث عن رسالة أعرف أنها لن تصل ، أتطلع لهذا الخيط الرهيف الذي يصلني بقلوب تشاركت الحب معها ، ولكن الخيط انقطع ، نعم الصور ما زالت في مخيلتي ، الصوت مازال في أذنى ، ولكن ليس ثمة أحد هنا لقد رحلتا ، رحلتا معاً   قبل أن أعانقهما ، رحلتا لتضع للغربة تعريف جديد في قاموس حياتي

رحلتا معاً ، عشرة أيام لا أكثر الفرق بينهما ، لم تتح لي الفرصة أن أمسح دموعي من البكاء على الأولى ، حتى كانت الثانية في غيبوبة  عدة أيام ثم رحلت ،  وأنا أقف هنا بعيداً عنهما ، ارقب رحيلهما ، وأقف على الحياد ، كما طفلة تعجز عن أي فعل ، تعجز حتى عن الوداع الأخير .

 

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

قارب الموت

migration-eu-boatpeople

تمايلت الأجساد المتراصة على طرفي القارب المطاطي ، وغابت اصوات همهماتهم بين ضجيج المحرك وهدير الموج المتلاطم من كل اتجاه حولهم ،  والقارب  لايكف عن الصعود والهبوط ، في خفقان مستمر حوَل كل من كان فيه من ركاب إلى حاله اعياء دفعت بعضهم للغياب عن الوعي ، بينما بقي البعض الاخريعافر من أجل من البقاء في حالة صحو لاتضر ولا تنفع .

أما هي فقد ركزت بصرها نحو الصغير ، عينها على وجهه الملقى باستسلام على صدرها ، و ذراعيها مستنفرتان لاحتضانه بقوة ، وهي مستسلمة تماماً لحركة القارب الصاعدة الهابطة ، أما زوجها القابع جانبها مسنداُ ظهره مثلها إلى حافة القارب ، لم تكن ترغب ان ترى وجهه أو تلمح طيفه أو طيف أي من البشر ، بشر …

ماذا يعني أن تكون بشر ، أن تكون بني آدم ، كيف هي حياة الادمي ؟ هل هي أن يركب طوف مطاطي ويلقى نفسه في عرض البحر ،  هل هذه  ارادة الحياة كما يقولون ، أن يعمل البشر المستحيل ليستمروا في حياة تليق بالآدمي .  الآدمي الذي يلقي بنفسه في البحر من اجل أن يعيش .

اي معادلة صعبة هذه تستغلق على فهمها المتواضع ، أي آدمية في أن تكون هنا في عرض البحر على طوف مطاطي يعلو ويهبط تتلاعب به أمواج البحر ، ها هم حولها هنا في غيبوبه بين الموت والحياة ،

رغم انها تتفادى النظر إلى من حولها ، إلا أنها تشعر بهم ، تسمع صوتهم وهم يفرغون ما في أمعائهم ، وترتفع اصوتهم عنما تعصف بالقارب موجة عاليه ، همهماتهم استغاثتهم ، توسلاتهم تتضخم في راسها ، وتشعرها بالقرف ،  كل شيئ هنا يشعرها بالقرف

، ملامسة جسدها لجسد القارب المطاطي ، هذا الموج المتلاطم حولها ، ربان القارب النزق المتعالي ، ركاب القارب الفارين من الموت على متن قارب الموت ، زوجها المستسلم الواهن الذي يلتصق بها وكأنه يستمد القوة منها ، 

هذا الامتداد الفيروزي الامتناهي مقرف مرعب  ، وكم تود الهرب ولكن إلى اين ، هي اصلا هاربة ..  ، هاربة وتاركة خلفها اهلها وبلدها  وبيتها وذكرياتها ، هاربة من نفسها التي كانت إلى أخرى ستكون ، لا شيئ يرغبها في الحياة إلا هذا الصغير الذي تحيطه بذراعيها ، وكلما تململ ألقمته ثدييها ليعتصر ما تبقى من حليب فيها ، منه تستمد رغبتها في الحياة وقدرتها على المقاومة ، من أجله هي هنا من اجل أن تكون له فرصة ليعيش حياة الآدميين  .

***

وفجأة علت همهمة على كل الهمهمات ، هذا صوت قائدة القارب ، ما باله ازداد نزقه ، هاهو اليل ينبلج وخيوط الصباح تتسلسل بخفة على صفحة الماء الممتد حتى الافق ، تغافلت عما كانت تتعالى به الصوات حاولت أن تبقى في عالمها ، ولكن ما يحدث حولهها لايمكن أن يغفل ، فكيف يمكن لراكب البحر أن يغفل شعوره بالبلل .

كان الماء يتسرب من مكان ماء ليبلل القارب كله بما فيه من ركاب . لم يعد الماء يحيط بالقارب بل صار يحيط بها بوليدها .

 واصوات الهمهمات التي كانت تتغافل عنها غدت ولاويل واستغاثات  ، من قال ان من يركب البحر لايخشى من البلل ، بل إن من يركب البحر هو الذي يخشى البلل لأن البلل يعني أنه اصبح جزء من البحر وقد تاتي مرحلة التماهي المطلق في اي لحظة ،

أتعرف ما معنى التماهي مع البحر ، إنها ليست تهويمة شاعر يعشق اللون الفيروزي ، ولا خيال فنان يحول البحر إلى قطعة جمال تعلق في صالون فخم ، وليس حلم طفل يبنى قصر من الرمال على الشاطى  وقت الغروب ، إن التماهي في البحر لراكب الطوف البلاستيكي يعني الغرق . الغرق الذي كانت تفكر به وهي تقفز إلى جوف الطوف الفاغر فاه ليبتلع ركابه ، وهاهو البحر الآن سيبتلع الطوف بما فيه من ركاب .

لم تصرح لم تستغيث ، ألقمت ثديها لطفلها ، واستسلمت للبلل وهو يزحف صاعدا في هيكل جسدها المنهك ، بعد أن ودعها زوجها بضمة من كلتا يديه وابتعد عنها إلى الطرف الاخر من القارب لعله يستطيع ان يسهم مع بقية الرجال في ايجاد حل يخرجهم من جوف المارد الأزرق قبل أن يتلاشوا جميعا في أعماقه .  

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

 

 

 

 

المارد الزرق

Related image

نظرت إلى البحر الممتد أمامها ، زرقة تعلوها زرقة ، الزرقة تحت مساحة البصر كلها فلا ترى إلاه لونا ،  فرغم أن قدميها  مازالتا على الأرض ولكنها لم تكن ترى إلا زرقة  الماء والسماء ، أغمضت عينيها ، ليس هرباً من المشهد ، لا … إنها مجرد محاولة متفانية منها لاستحضار كل  الذكريات الجميلة التي تجمعها مع البحر ، نعم  محاولة لاستخراج  كل مخزون مشاعر الحب التي كانت تمتلكها نحو ذلك الامتداد الفيروزي ، الذي كان في ما مضى يعتبر بالنسبة  لها عنواناً للفرح ، فتلك الموجات التي تعلو وتهبط ، والتي تثير زعرها الآن لم تكن في يوم مضى إلا رمزاً للحياة، وشعاراً للسرور .  

 

فمنذ فتحت عينيها على الدنيا ، وهي تذكر أنه في مطلع كل اجازة مدرسية  تنحشر الأسرة كلها خمسة أطفال وأب وأم  في  سيارة صغيرة ، وينطلق والدها يقود تلك  السيارة بكل ما تحمله من بشر ولعب ، والوان الطعام المختلفة ، يقودهم  عبر السهول وبين الجبال ، فيصعد بهم ويهبط ، وهم يهزجون وهو يهزج معهم ،  حتى تحط العائلة رحالها في واحدة من الشاليهات ، و ينطلق الفرح من عقاله , تلقي نفسها  في حضن الماء، تستلم للموجات التي تعلو وتهبض ، تدفن نفسها بمساعدة  اخونها في الرمل ، لعب لاينهيه إلا حلول الليل وصوت الام وقد تعب من الصراخ والتأنيب .

 متى تعلمت السباحة ؟ لا تدري . وكيف تعلمت السباحة وهي تسكن حلب تلك المدينة  الجافة التي  لا بحر فيها ولانهر ؟ لاتدري أيضا . كان أبوها يقول  ممازحاً :

– ولدت من بطن أمك وأنت تسبحين .

 

كان البحر حلمها ، فعندما كانت تغمض عينها لتحلم كان اكتحال عينيها بزرقته أجمل أحلامها ، وها  هي الآن تغمض عينيها ، تحاول أن تسترجع نتفة من تلك الأحلام ، تحاول أن تستمد من ذلك الحب القديم بعض القبول لما سيكون .

ولكنها عبثاً حاولت ، كان الوحش الازرق  قبالتها فاغراً فمه ، فمه ذلك القارب المطاطي المستلقي أمامها على صفحة الماء ينتظر أن يبتلعها ، أين هربت ذكريات الفرح تلك ، لماذا تقزمت حتى كادت تغيب ، لتحل محلها صور الغرقى الذين لفظهم البحر على شاطئه ، وصور آخرين يريهم المارد الزرق من الموت الوانا ما كانوا يظنون في يوم انهم سيروها ، وآخرين فقدوا ولا يعلم احد في بطن اي نوع من السمك هم اليوم …

صور تحتل بكامل اتساعها صفحة مخيلتها ن تحاول أن تستبعدها، فتعود جلية كاجابة فورية على مطرقة سؤال يدق في كل جزء من جمجمتها

ماذا يعنى أن تكون في قارب مطاطي في عرض البحر ؟

 

 

 

توقفت لحظة ابتلعت نفسها كبيراً تستجمع فيه قواها ، فأحست بملوحة طعم البحر في فمها ، هل للهواء طعم ؟ لم يكن هناك وقت للسؤال ، او وقت للاجابة أو حتى للتفكير

الأنظار شاخصة نحوها تستحثها ، ويد زوجها تطبق بقوة على ساعدها تستحثها أن تقدم ، التفتت إليه حاولت أن تنظر في وجهه ، أن تستجدي بعض الحنان ، ولكنها لم تستطع رؤيته كانت غلالة تغطي حدقتي عينيها فاللون الأزرق يعميها فلا ترى غيره ،  هي فقط  تشعر بيده،  يد جلاد تسوقها نحو فم الوحش المفتوح على المجهول ، أحكمت وضع ذراعيها حول ابنها ، قربت وجهه من وجهها اكثر، فأحست بشيء من الأمان ، لم تعد تعرف في هذه اللحظة هل هي تريد أن تحميه أم تحتمي به ؟  

 قدماها المسمرتان على الأرض تأبيان طاعتها ، أفلت زوجها قبضته عن ساعدها ، وأحاطها بيده الليمنى بينما كانت يسراه تستقر على الصغير النائم ، همس في أذنها :

هيا ، علينا أن نسرع قليلا .

 

نسرع …

وقعت تلك اللفظة في أذنها كقنبلة ، تشظت في رأسها

نسرع نحو البحر

نسرع نحو الوحش الفاغر فاه

نسرع نحو الموت .

 

أليس هو نفسه زوجها ، زوجها الذي قدم لها عهوده ومواثيقه أن يرعاها وأن يحيطها بحبه ، وأن يجعل حياتها كلها سعادة ، فما باله اليوم يندفع بها نحو المجهول ، ومابال الدنيا تحاصرها لتسلم نفسها للمارد الأزرق ، حتى  أبيها وأمها ، تراخت ذراعيها عند وداعها ، وهي تتشبث بهما ، ما بال حبهما قد ضمر ، وحنانهما قد تقزم ، ألا يتمسكان بها ، ألا يطلبان منها أن تبقى معهما …

لقد اتخذ زوجها قراره  وأنتهى – لابد ان يرحل ، لن يقبل أن يسلم نفسه لآلة الحرب ، كي تصوبه نحو أهله أن تحوله إلى جزء من نظام قتل لايفهم له غابة ولا هدف –   أما هي فستموت ، ستموت هي حزناُ عليه ، او تحت أنقاض بيتهما ، كان السفر قراراً اتخذته بعقلها ، وفكرها ، ولكنها اليوم تجد أن ليس كل ما يقرره العقل تستطيع الجوارح تطبيقه .

 

لم يدر في خلدها يوم اتخذت ذلك القرار أن هناك خياراً ثالثاً ، هو أن تموت في البحر . وهاهي الان تنسى كل شيئ إلا أن البحر سبتلعها ،  من منا لا يخاف الموت ؟

اقترب منها أكثر ، وهو يحكم احاطة يده بجيدها ، وقال لها هامساً

( سنكون بخير ، ان شاء الله ، مئات عبروا البحر قبلنا بسلام )

 

بعد ثوان قليلة سيحملهم القارب المطاطي ، ويمخرب بهم عباب البحر ، وإذا كانت التايتانيك بجلالة قدرها غرقت فكم ستكون فرصة هذا الطوف المطاطي في الوصول ؟

 

شعرت بيده التي تحيط بها تدفعها لأن تتقدم …

ركزت بصرها نحو الملاك النائم بين ذراعيها بدعة , زوجها إلى جانبها  يده اليمنى تحيط بها وتدفعها ، وكفه اليسري تستقربقوة فوق كفيها المعقودتين لتحكمان احتضان الصغير .  وفي ذهنها ذكرى والديها وتراخي ذراعيهما ، وتلك الدموع التي بللت وجهيهما وهما يهمسان : ( اذهبي بأمان الله اذهبي ).

وبقفزة واحدة صارت داخل القارب المطاطي ، الفاغر فاه ، وهو يتأرجح مع علو موج البحر وهبوطه .

 

 

 

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

ذات الجديلة الشقراء

تجري وضفيرتها تجري خلفها ، وعندما تبدأ القفز تتأرجح الضفيرة يمنة ويسرة ، كنا نناديها بذات الضفيرة الشقراء ، فتضحك لهذه التسمية ، وتحمل ضفيرتها على كفها تمسح عليها ، تدللها  ممتنة  لهذا الأسم الجميل الذي أهلتها له ، كانت تحمل معها بسمتها حيثما حلت ، وتنثر الحبور والأمل ، في كل وقت …

. تستوقفنى  (خالة سأحكي لك نكتة )

وأصغي إليها تحكى طرفتها بكل جوارحها ، بعينيها ، ويديها .. وأجد نفسي ضاحكة لطرفة سمعتها مرات عديدة . وعندما  تكون في مجموعة من لداتها تظهر مواهبها في القيادة والزعامة ، فتجمع البنات حولها ، وتقودهن إلى دروب من المتعة البريئة ،كانت تملك قدرة على احتواء من حولها  وهذا ماجعلها النجمة الساطعة في أوقات اجتماعنا نحن الصديقات ، فنحرص على وجودها ، ونحتفي بقدومها ، فقد كانت تتولى العناية بالصغار ، لتمنح الأمهات فرصة للاستمتاع بوقت خال  من الطلبات والشكايات .

 وفي يوم جاءت أمها لتقدم لي بطاقة دعوة لحضور فرح ، سألت باستغراب ، فرح من قالت :

-سلوى

– سلوى ، ذات الجديلة الشقراء

ضحكت امها :

–  الجديلة الشقراء هذه هي التي أتت بالعريس

لم أستطع أن استوعب الموقف ، أضافت صديقتى :

– أنت تعرفين شباب حلب يعجبهن الشعر الشقر والعيون الملونة ، تعبت من كثرة الخطاب

عقدت لساني الدهشة ، فاكملت  هامسة كمن يحكي سراً :  

– ليس كل الأزواج مثل زوجي وزوجك بدأنا معهم من الصفر، تعبنا حتى صرنا إلى ما نحن فيه  ، هناك نوع آخر من الأزواج مرتاح ويجلب الراحة ، لم نجربه بعد ، فلندع بناتنا يجربونه  .

هممت أن اقول ( ولكنها طفلة ) ولكني لم أقل آثرت أن أصمت ، وكأنها قرأت ما يدور في خاطري فأضافت :

– ستكبر في بيت زوجها ، وأنا بجوارها ، ستكسب الدلال من كل الاتجاهات .

ولم يكن إلا أن أبارك ، وانا ادعو الله لها من قلبي بأن يكون زواجها سعيدا مباركا .

وشاءت الظروف ان لا أحضر الحفلة ، ربما قدر الله ذلك لي لتبقى صورة سلوى في ذهني بضفيرتها الشقراء ، وحضورها الصاخب . .. ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى هبت رياح الحرب صوب ديارنا ، وخرج من البلد أول من خرج من كان قادرا على دفع ثمن خروجه  ، وبقي من بقي ليكتوي بنار الحرب ، ثم يتسلل مجبراً على ترك بلده وبيته ،فصرنا بين من نفقدهم في ويلات الحرب ، ومن نفقدهم في الغربة والمنفى ،  وأنستنى الأحداث أمر سلوى , إلى أن جمعتني الأقدار بأمها ، بعض طول افتراق ، وتذكرت سلوى

– كيف حال ذات الضفيرة الشقراء .

واحتلت وجهها غيمة حزن ، امطرت دموعاً لم تفلح في التقاطها قبل أن تجري غزيرة تغسل وجهها الحزين ،  حتى خلت للحظات أن مكروه أصابها ، فالرصاص لايفرق بين صغير وكبير ، ومن كثرة ما فقدنا صار الفقد أول هاجس يراودنا .فهتفت في حرقة من جرب :

– ماذا حدث لها ؟ اخبريني .

– رحلت مع زوجها ، هي الآن في النمسا . ..

وحكت لي مطولا عن حالها الصعب ، وهي تحمل طفلاً على كتفها ، والاخر في بطنها ، طفلة تعتني بأطفال ، في بلد غريب .

وحكت كيف تتحين الفرص لكي تحكى معها على الحاسوب ، وتشرح لها كيف عليها أن تعتني بنفسها وزوجها وأولادها ، فكيف لها أن تعرف كيف تفعل ذلك وهي التي كانت أمها تسرح لها شعرها حتى يوم عرسها  .  

لم أجد إلا الصمت معزياً ، فضلت أن أترك لها المجال لكي تعبر عما يعتلج في صدرها  لكي تستريح قليلاً … ولكنها هي أيضا فضلت أن تصمت .

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

السيرة النبوية -2

لقد جمع رسولنا محمد المجد من جميع اطرافه ، فهو أولا من سلالة سيدنا ابراهيم ، ثم هو من آل هاشم ، اكرم بطون قريش ،

والمجد ليس فقط وراثة يرثها الفرد من عائلته ، بل هي الأصل الكريم يدعمه السلوك النبيل ، والاجتهاد في تقديم خدمة للمجتمع  ترفعه إلى مكانه الزعامة ، فالجد الأكبر لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

 ، وسنتعرف على ثلاثة من جدود نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وسبب استحقاقهم للزعامة  

زعامة قصي بن كلاب :

 ولد قصي في مكة ثم بعد موت أبيه وهو طفل حملته أمه إلى الشام بعد أن تزوجت برجل من هناك ، ولما كبر قصي قرر أن يعود إلى وطنه ، وعندما عاد إلى مكة ، وجد أن قريش بطوناً متفرقة ، فجمع شملها ، وقاتل لتكون له السيادة على مكة ، ولما صار حاكم مكة قام بأمور جعلت منه سيدا حقيقيا ، اهمها : أنه جعل لكل فرع من القبيلة مكان خاص تسكن به لتقل النزاعات  ، وبنى لهم دار الندوة ، حيث يجتمع وجهاء القبيلة ليتناقشوا فيما يهمهم من الأمور ، ويعرضون وجهة نظرهم بهدوء ، فحل النقاش والتفاهم والحوار محل سحب السيف  والاقتتال على كل صغيرة وكبيرة ، وبذلك استحق قصي الزعامة استحقاقا لاينازعه فيه أحد  ورفع قريش إلى مستوى يجعل منها مؤهلة لزعامة قبائل العرب كلها .

وبعد اجيال واجيال من قصي ياتي هاشم الجد الأكبر لرسولنا محمد ليرسخ بكرمه ، ونبله ، زعامة هذا البطن من بطون قريش .

زعامة هاشم :

 وهاشم ليس هو اسمه بل لقبه ، كان اسمه عمرو ، وكان قد تولى السقاية والرفادة ، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج ،وهو من نظم تجارة قريش فجعل لهم رحلة في الصيف إلى الشام ، وفي الشتاء إلى اليمن  ، فتحسنت أوضاعهم الاقتصادية ،

 وخرج هاشم مرة في تجارة  فمر بيثرب  فتزوج هناك من فتاة من آل النجار ، واشترطت عليه أن لايحملها إلى مكة ، وأن تبقى في المدينة ، وخرج بعد ذلك للشام ليكمل رحلته التجارية ، فمات في غزة ، وولدت زوجته ولدا سمته شيبة ، لشيبة في رأسه ، وظل في رعايتها وأهلها في يثرب .

وكان لهاشم في مكة ولد اسمه المطلب ، وكان سيدا مطاعا كريما تولى بعد موت ابيه السقاية والرفادة ، وبعد أعوام من موت هاشم سمع ابنه عبد المطلب بخبر اخيه في يثرب فذهب إلى هناك وجاء به  ليكون في بلده بين أهله ، وقدم به مكة فظن الناس انه اشترى عبدا ، فصاروا ينادونه بعبد المطلب ، فأخبرهم المطلب بحقيقة الأمر ، ولكن اللقب سبقه وظل يعرف بعبد المطلب ، وهو جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان مهيبا عظيما سليل كرم وفضل .  

زعامة عبد المطلب

ومن أهم اخباره أمران كرسا زعامته لمكة :

الأول حفره بئر زمزم ، وقد ذكرنا أن الجراهمة قبل خروجهم من مكة طمروا البئر بعد ان دفنوا فيه كنز الكعبة ، وصار على قريش أن يحملوا الماء على الحمير من مكان بعيد ويضعوه في أحواض ليسقوا الحجيج ، وسمع  في نومه صوتاً يأمره  بحفر زمزم ، وراى وصفا لمكانه ، ولما نهض لحفره استهجنت عمله قريش ، ولم تساعده ، ولكن ما ان كشف زمزم ، اخذ المال وجعل من الأسياف باب الكعبة وضرب في الباب الغزالين . واقام زمزم لسقاية الحجاج .

ونذر عبد المطلب إذا رزقه الله عشرة اولاد ليذبحن احدهم عند الكعبة .

وشاء الله أن يرزق عبد المطلب عشرة اولاد ، وجاء وقت الوفاء بالقسم ، وذهب إلى الأزلام يستقسمها على عادة العرب ، فخرجت على عبد الله اصغر أولاده واحبهم إليه ، وأعاد الكرة ، فعادت ..

فخرج عبد المطلب على قومه ليخبرهم انه يريد أن يذبح ابنه عبد الله وفاء لنذره ، ولكن قريش أبت عليه ذلك ، وذهبوا للعارفة التي قالت لهم أن يضعوا عشرة من الابل على قدح واسم عبد الله على آخر ، ثم يستقسموا ، فإذا خرج على عبد الله يزيدوا عشرة أخرى , ففعلوا ذلك حتى بلغ عدد النوق مئة , فخرج القدح على الابل ، فعرفوا أن الألهة رضت ، وأعادوا ثلاث مرات فكانت تخرج على الابل  ، فذبحوا مئة منها ، تعاونت قريش كلها على تأمينها . وعبد الله هو والد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول أنا ابن الذبيحين 

الثاني أن ابرهة الحبشي النائب عن النجاشي في اليمن ، لما رأى الناس يحجون إلى الكعبة ، بنى كنيسة كبيرة في صنعاء ، وامر الناس بالحج إليها ، فرفض الناس ، فقرر أن يهدم الكعبة ، وقاد جيشا كبيرا من أجل ذلك على رأسه فيل ضخم ، والحادثة الفيل معروفة ، عندما رفض الفيل التقدم باتجاه الكعبة ، فاضطروا لتوجيهها إلى الحبشة والعودة به من حيث جاء ولكن الله أرسل طيورا  يحمل كل طائر منها حجراً صغيراً في فمه ألقاه على الجيش فهلك عن آخره ولم يبق منه جندي واحد

في هذا العام الذي تكرس أمام العالم كله أن الكعبة ، ومكة محمية ليس من قريش فقط ، ولا من العرب بل من قدرة سماوية علوية ، فالله هو الذي يحمي بيته ، والكعبة مباركة محمية مصانة بقوى علوية لا يد للبشر فيها .

وفي هذا العام الذي سمته العرب عام الفيل ، ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

 

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

السيرة النبوية الميسرة -1

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إن الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل ، واصطفى من ولد اسماعيل كنانة ، واصطفى من بنى كنانة قريش ، واصطفى من قريش هاشم ، واصطفاني من بينى هاشم .

——————-

حظي رسولنا الكريم بأصل كريم ، أهله للوصول إلى المكانة الكبيرة ، وتحمل الأمانه العظيمة التي أداها خير أداء .

ومن اجل أن نعرف رسولنا يجب ان نتعرف على أصوله

أصل العرب :

تنقسم القبائل العربية إلى فرق ثلاث :

. العرب البائدة : وهم قم عاد وثمود ، الذين ورد ذكرهم في القران ولا نعرف عنهم الكثير، ويوجد آثار تدل عليهم

العرب العاربة : وهم الذين يعود اصلهم إلى يعرب بن قحطان ، وأصولهم من اليمن ، واشتهرت منهم قبيلتان حمير ، وكهلان التي هاجرت بطونها (فروعها)إلى أنحاء الجزيرة العربية ، ومنهم الأوس والخزرج (الأنصار)، وبنو طيء منهم حاتم الطائي ، والغساسنة في الشام ، والمناذرة على أطراف الحيرة ، وقبيلة كندة  التي سكنت نجد .

العرب المستعربة : وهم المنحدرون من سلالة اسماعيل عليه السلام ، وأصلهم  يعود إلى إبراهيم الخليل ، الذي يعود في  أصله إلى العراق إلى بلدة اسمها أور على الشاطئ نهر الفرات .  وينقسمون إلى قسمين اساسيين ربيعة  وبطون ربيعة سكنت في البادية ، مضر وابناؤه( بطون مضر ) كانوا حضريين سكنوا مكة ، ومنهم  عدنان ، ومنه العدنانيون ومن العدنانين قريش  الذين ينسب لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم

 ابراهيم  وابنه اسماعيل عليهما السلام 

وقصة خروج ابراهيم عليه السلام من العراق بعد أن حاول أهله قتله برميه في النار فاخرجه الله منها سالما ، فقرر أن يعتزلهم ، فخرج من العراق إلى حران  ليس معه إلا زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام . ثم استقرفي بلاد الشام ، وكانت له جولات في الدعوة إلى الله ، منها ذهابه إلى مصر ، ثم عودته وبرفقته هاجر .

وفي فلسطين رزق الله ابراهيم ابنه اسماعيل من زوجته هاجر ،( وقد كانت زوجته سارة لم تنجب بعد ، ثم أنجبت بعد ذلك اسحق، بعد أن تقدمت بها وبابراهيم عليه السلام السن ، وأصبحا عجوزين ، وكانت ولادة اسحق معجزة )  وفرق العمر بين اسماعيل واسحق ثلاث عشر سنة.

وقد أمر الله ابراهيم عليه السلام أن يحمل هاجر وابنها اسماعيل إلي مكة ، ومكة في ذلك والوقت مقفرة لا يسكنها أحد .

وترك  ابراهيم هاجر واسماعيل في مكة ليعود إلى فلسطين ، وقصة هاجر معروفة في استسلامها لأمر الله , وثقتها أنه لن يضيعها ، فرخل ابراهيم وترجها وحدها من ابنهما اسماعيل ،  في تلك المنطقة المقفرة التي لا يسكنها أحد   ومعها قليل من الزاد والماء ، وبعد فترة قصيرة نفذ الماء ، وصار ابنها يبكى من شدة العطش ،  وقصة سعيها بين الصفا والمروة معروفة ثم نبع الماء من بين قدمي سيدنا اسماعيل .

وكان بداية زمزم بداية لحياة في مكة لم تنقطع حتى اليوم ، فقد كان في أطراف مكة تتنقل  قبيلة اسمها جرهم  ترتحل حيث تجد الماء والمرعى ، لما رأوا الماء في مكة ، استاذنوا هاجر في مجاورتها للاستفادة من الماء فأذنت لهم ، وهكذا يسر الله لاسماعيل وهاجر شؤون الحياة ، وكبر اسماعيل في مكة مع جرهم ، ثم تزوج منهم .

أما ابراهيم عليه السلام فكان يتردد على مكة ليطمئن على زوجته وابنه ، وقد حفظ لنا التاريخ زيارات أربع له . اثنتان منهما لهما أهمية كبيرة :

قصة  الفداء

الزيارة الاولى عندما شب اسماعيل قليلا ، ربما عشر سنوات أو أقل قليلا ، -بلغ معه السعي –  فأراه الله في المنام انه يذبحه ، ثم Image result for ‫الكبش‬‎جاء الفداء بكبش .

وهنا لابد أن نذكر أن موضوع التضحية بالبشر كان وارداً ، وكأنه هذا الفداء الذي جاء هو ايذانا بأن البشرية يجب أن تتوقف عن ذلك ، وأن الله قد جعل الحيوان فدا ء للانسان .

كما يجب أن نؤكد أن ذلك كان قبل ولادة اسحق ، الذي يصغر اسماعيل بحوالي ثلاث عشر سنة حسب المصادر اليهودية . ومع ذلك فإن اليهود يذهبون إلى أن الذبيح هو اسحق .

قصة بناء الكعبة ، وفرض الحج

الزيارة Image result for ‫بناء الكعبة‬‎الثانية : فقد كانت عندما شب اسماعيل ، فكان الأمر الالهي ببناء الكعبة فرفعا قواعدها ، وأمر ابراهيم اتباعه بالحج إلى الكعبة ،

وقد رزق اسماعيل ب 12 ولد ذكر سكنوا مكة ، ثم اتشروا في البلاد

، وأقام بعضهم  في مكة وضواحيها ومنهم قبيلة  قريش.

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

عائد لم يعود

 

 

Image result for ‫يمشى على شاطئ البحر‬‎خلع فردتي حذائه ضمهما لبعضهما وأودعهما تحت إبطه الأيمن ، ومضى عاري القدمين ينقل الخطا بمحاذاة الماء

على الخط الفاصل بين الماء واليابس فمرة تغوص قدميه في الرمل الرطب ، ومرة أخرى تداهمها موجة فيعلوهما الماء حتى يغطي الكاحل ، كانت الشمس تتربع في كبد السماء ترسل أشعتها لتتصارع ببسالة هي وأكوام غيوم بيضاء ، ترى من سيغلب في هذا المساء ، هل ستدحر أشعة الشمس أكوم الغيوم قبل أن يحل موعد رحيلها  أم سيظلا في صراع حتى تغطس الشمس وراء الأفق تاركة ساحة السماء للغيم لتفعل بها ما تشاء . كم كان يحلو أن يراقب تلك المعركة عندما كان صغيراً ، أما اليوم فتلك الأنوار المتلألئة أمامه على امتداد الشاطئ تقلقه ، عندما غادر المكان قبل عشرين عاماً ، كان الشاطئ بكامله على امتداد النظر رمل يعانق الماء ، وكان يسير ويسير ، ومازال الشاطئ الرحب يمتد أمامه ، فراغ لايعكره إلا بائع للذرة المشوية هنا ، وبائع
للفول السوداني هناك ، وأقدام يتابع عريها لعبة الماء والرمل .

غاب عن الشاطئ ، ولكن الشاطئ لم يغب عنه ، في كل ليلة كان يشعر وكأن حبات الرمل تداعب قدميه ، يشم رائحة البحر عندما يفتح عينيه كل صباح ، و في كل يوم يتمنى أن يكون آخر يوم له في أرض الغربة . واليوم عاد ، استقبله من بقي من العائلة ، رحب به من لم يزل على قيد الحياة من الجيران ، افسحوا له مكاناً في بيته ، ورغم سعادته بهم إلا أن حنينه إلى الشاطئ ساقه إلى هنا ، وحقائبه لم تفتح بعد ، جاء يسلم على حبات الرمل ، على موجات البحر ، على طيوره ، وباعته ، والمتنزهين على شاطئه .

وما أن مشى خطوات قليلة حتى داهم بصره تلك المباني المرتفعة  ، سمع عن فنادق ومطاعم ومنتزهات وجدت مكانها في مدينه بعد أن رحل عنها ، ولكن خياله لم يسعفه في تصور شكل المدينة بعد أن حلت في فضائها كل تلك المباني .

كم كان يتمنى أن يعود ويرى الشاطئ كما تركه في آخر لقاء بينهما ، رمل وماء ، وهل هناك في الكون أجمل من الطبيعة كما خلقها الله ، لماذا تمتد يد البشر لتشوهها؟  أمعن  النظر من جيد ، نظر خلفه حيث يمتد الشاطئ البكر  رمل وماء ، ثم حدق أمامه ، مباني تشق عنان السماء ، تساءل :

– هل تلك المباني أكثر قدرة على إسعاد مرتاديها ؟

 

فكر مرارا أن يعود أدراجه ، كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغياب ، وأنواربألوان مختلفة صارت تنبعث من مختلف المباني المنتصبة أمامه ، فتزيد المشهد رهبة ، لماذ لا يعود من حيث أتى يكتفي بذلك الجزء من الشاطئ ، لماذا عليه أن يقتحم تلك المباني المغروسة هنا  ، لاشيئ يربطه بها ، هو لم يعود من أجلها ، هو عاد من أجل أن يرى بلده ، وطنه ، ولكن تلك المباني لا تنتمي إلى هنا ، إنها تنتمي إلى هناك ، إنها فروع لشركات عالمية ، فروع لفنادق تنتمي إلى الغرب ، لو كان يريدها لبقي هناك ، لماذا عليه أن يقطع آلاف الكيلومترات ويسافر عشرات الساعات ليرى مبان يراها كل يوم . ..

 لكما اقترب من المباني أكثر زادت حيرته أكثر ، ثم وقف ، تسمر على الرمل وترك الموجات تعبث بقدميه كيف تشاء ، ما أروع أن تكون حافياً على الرمل ، ماذا يريد الانسان أكثر من ذلك متعة .

تذكر طفولته ، عندما كان يجيئ إلى هنا مع إخوته ، يبنون قصوراً من الرمل على الشاطئ ، ويعودون في مثل هذا الوقت عندما توشك الشمس  أن تغسل الشمس وجهها بماء البحر ، أين أخوته الآن ؟

Related imageلقد تغير كل شيئ ، هو نفسه قد تغير ، نظر إلى الأسفل حيث قدميه كان الرمل الناعم يتناثر على ظاهر الجلد الهرم .

 

أغراه مشهد الغروب المهيب بأن يجلس ليرقب الشمس وهي تلقى تحية الوداع على الكون الذي بدى لنظره أنه لاه عنها ، والبحر بدأ ينحسر قليلاً متراجعاً ، تاركاً الساحة للرمل ،وفي العتمة رأى أصدافاً صغيرة لم يكن يراها في ضوء الشمس  ، بحث عن بعضها احتضنتها قبضته ، تذكر أصدافه القديمة ، شهر بالحنين لتلك الأيام التي كانت له فيها  أصداف لاتفارق جيبه .

 

فتح قبضته عاين أصدافه الجديدة إنها ليس مثل تلك التي تركها هنا قبل عشرين عاماً ، حتى الأصداف تغيرت

رماها بقوة لتتناثر في الفضاء أمامه مسح وجهه براحة يده

(هل  من الانصاف أن أتغير أنا وأطالب العالم أن يبقى على حاله منتظراً عودتي ، لأستلم منه ذكرياتي  كما تركتها قبل عشرات الأعوام . ذكرات طفولتي التي غادرتها أنا وكلي سعادة أنني فعلت ، والآن أريد ان استردها في لحظة واحدة في هذا المكان ،

لماذا لانريد أن ندرك أن  للأماكن أعمار وأقدار ، وانها تتغير ، وتنمو ، وتشيخ أيضاً  ؟)

 

هب واقفاً ألقى نظرة على الأفق الذي غادرته حمرة الشفق ، وسار باتجاه الأنوار المتلألئة التي تمتد أمامه على طول الشاطئ ، كان الشاطئ يعج بخلق كثيرين ، أطفال ورجال ونساء ، الناس من حوله يسيرون بلا توقف يثرثرون ويتبادلون الحديث، الطرف والأحاجي ، وأحيانا يتعاتبون أو ..أو يتشاجرون ، كانوا أمامه ومن خلفه ، عن يمينه وعن شماله ، وهو يسير حذاؤه تحت إبطه، عقله يحوم في ألف مكان ومكان ، وأذنه ترهف السمع لما يدور حوله تلتقط عشرات الحوارات في آن واحد ، وعينيه  مثل عين من حوله  لاتريد أن تفارق النظر إلى موج البحر ،  الذي كان كما هو منذ الأزل  يعلو ويهبط غير آبه بما يدور حوله .

Related image 

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

على رصيف ألمانيا

 

 

اImage result for ‫على الرصيف‬‎لرياح تعصف بقوة ، وبرودتها تزداد حدة ، وهي تسند ظهرها للجدار المصمت الممتد خلفها ، والشارع الممتد أمامها  بدأ  يغوص في السكون بعد أن انصرف طلاب المدارس إلى بيتهم ، وتناقص عد سالكيه  تزامناً مع انسحاب الشمس التي راحت تلمل أشعتها  بهدوء وحذر قبل أن تنطلق في موعد لا تخلفه إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية ، حيث أناس آخرون ينتظرونها ليمتطوا أشعتها منطلقين نحو نهار الجديد .

لاتدري ما الذي جعلها تفكر بهم ، أولئك الآخرين… كل الاخرين الذين ينتشرون هناك ، هي لا تعلم عنهم بأكثر ما يعلمون عنها ، فما الذي يجعلها تفكر فيهم تسعد بوجودهم تدعو لهم كلهم كباراًوصغاراً ،  وهي متسمرة على هذا الجزء من الرصيف .

(كيف يمكن لكل تلك التيارات جارفة  والمشاعر الفوارة ، والأحاسيس المضرمة أن تكون كلها داخل انسان يقف مسمراً في مكانه ؟ )

Related image– سألت نفسها –

 سحبها أحد هذه التيارات جرها جراً لتجري خلفها بقوة ، مما جعلها تلهث من التعب مع أنها لم تبارح مكانها .

حملها إلى ما قبل أعوام عديدة ، عندما كانت هناك في حلب ، تلك المدينة التي أجادت لعبة التاريخ في المد والجزر ، تتالت عليها الأمم من كل بقاع الأرض جاءوا يخطبون ودها … بقوة الحديد والنار يريدونها ، تاريخها حرب وحربها تاريخ وبين حرب وحرب ينطلق الحلبيون بقوة نحو الحياة ، تجارة ناجحة ، صنعة متقنة ، ويتفنون في تدليل أنفسهم ، طعام شهى ملابس فاخرة ، بيوت أنيقة ، وياسمين يزهر في كل مكان … ، قالوا أن سبب ذلك أنها تقع على طريق الحرير ، ولكن حرير العالم كله تقطع على أعتابها ، ليس مرة واحدة بل مرات ،  ثم عاد ليتصل من جديد ،ويصل بين الشرق والغرب ، الحرب تأتي على الأخضر واليابس، ثم تعود المدينة من جديد لا لتعيش فقط بل لتتزعم مسيرة الحياة حقبة ، ثم يداهمها غزاة جدد ، ويعيد التاريخ الكرة مرة بعد مرة …

 هناك في تلك المدينة عرفت طفولة جميلة  ملونة بكل ألوان الفرح ، من حضن ياسمينة تنثر العبق في حوش جميل تتوسطه بركة ماء ، كانت بداية رحلتها ، ثم تنقلت تحمل ياسمنتها من حي لآخر في أحياء المدينة ، كان أبوها من كبار التجار ، وكانت أمها سيدة مجتمع على أعلى طراز، و الحب يعرش في بيتهم مثل ياسمنة عتيقة ، ويزهر في أعماقها رضاً واقبالاً على الحياة .

ورقصت ذكريات في مخيلتها ، على ايقاع قلب ما زال ينبض حباً، ينبض بقوة أخرجت يدها المنكمشة في جيب معطفها ، تريد أن تسكن بها خفقان قلبها ، تنبهت إلى خلو اصبعها من الخاتم الذهبي المرصع بتلك الماسة الكبيرة التي أهداها لها زوجها في أول لقاء لهما ، أسرعت لتدفن لتدس يدها من جديد لتستريح في دفء الجيب   ، نظرت إلى الشارع الهادئ الممتد أمامها تمتمت :

– نعم أنا هنا في ألمانيا ، كيف لي أن أنسى ذلك . 

وجاء تيار آخر من أفكارها سرقها من تحت عريشة الياسمين وحملها إلى الجانب الآخر من العالم ، ساقها بقوة لتصير هناك في أمريكا مع زوجها وابنها ، في شقتهم الصغيرة الأنيقة التي تتناثر الكتب والأوراق في كل ركن من أركانها ، وتتذكر دعابة زوجها :

– أتخيل لو أنني فتحت الثلاجة سأجد فيها كتباً .

ويضحك ويضحكون .

كان ثلاثتهم يدرسون ، ثلاثتهم يكتشفون كل يوم متعة جديدة في المعرفة ، وفي كل مساء وهم على مائدة العشاء يروى كل منهم ما واجهه من أحداث وأشخاص في ذلك اليوم ، حتى صغيرها التي ما زال يتعثر بالكلمات كان يشارك  في نسج قصصه ، وتتداخل الأحداث والقصص لتنجدل جديلة فرح تطوق حياتهم ، بألوان بهجة وأشكال فرح . يرصعها كنز من الذكرياتهم السعيدة عن حلب ، كانوا كمن خبأ كنزاً في مكان آمن حتى يعود إليه ، حلب كانت كنزهم ،

( سافتح خزانتي واستخرج اثوابي الجميلة ابسلها واحدا بعد اخر ، حلي ادوات زينتى كلها ساجعلها في متناول يدي ) .. كانت على يقين أنها ستعودإلي تلك الحضان الدافئة التي تشبعها قبلاً .

Image result for ‫مصباح الطريق‬‎ 

وانتشلها من أفكارها كوكبة من الشابات كن يعبرن الطريق مررن بقربها ، حتى كادت أجسادهن تلاصق جسدها المتسمر على الرصيف ، كن يتجاذبن أطراف حديث ويتقاسمن جميل ضحكات ، بعثت السعادة في نفسها ، همت أن ترسل لهم ابتسامه عريضة لتتشارك معهم لحظة السعادة ، ولكن لم يكن هناك من ينظر إليها ، بل هي كادت تعتقد أنهن لم يلحظن وجودها ، فابتلعت الابتسامة ، وخبأتها في أعماقها  شرارة فرح بعثت كل ذكريات الفرح  في تاريخ حياتها ، أيقظت تلك الذكريات السعيدة التي لأحداث جميلة … تخرج أخيها من الجامعة … عودة أبوها من الحج … حفلة خطبتها … وكر شريط الذكريات ، وهي ماتزال متسمرة في طرف الشارع .

 

هل يدرك العالم كم يحتاج البشر للمشاركة في أحداث الفرح ؟ كما الحاجة للمواساة والعطف والمساعدة ، هناك في عمق أعماق الانسان حاجة متأصلة لكي يبتسم ، ولكي يسعد ، الفرح يكبر بالمشاركة .

وسحبها ضوء المصباح من أفكارها أعادها إلى فراغ الشارع الممتد أمامها ، لقد أعلن ضوء المصباح نهاية يوم وبداية ليل ، وحدها أنوار المصابيح تعرف كيف تهزم تلك العتمة المستقرة في الفضاء بعد أن تطوي الشمس أشعتها وترحل ، وحدها المصابيح هنا تؤنس الغرباء  وترسل الظل تصيره رفيقاً لمن لارفيق له  ، نظرت إلى ظلها الملقى أمامها على بلاط الرصيف ، على زفت الشارع  :

– هذه أنا ! فمن هؤلاء ؟

حاولت أن تخمن  ، هاتان صديقتان ، وذلكما زوجان ، وهؤلاء أصدقاء يحتفلون بمناسبة سعيدة ، وتلك العجوز تبدو مرهقة ، كلهم كان يعبر برفقة ظله يجتاز الشارع وكأنه هو فيه وحده ، وكأنها ليست هناك تقف هي وظلها تنتظر من يشاركها ابتسامة عابرة

 ولكن ظلاً واحداً رأته ينطرح على الأرض بجانب ظلها . من يكون ؟

التفتت إليه فقابلها  بابتسامة عريضة ، همس في حنان :

– بحثت عنك في كل مكان .

– خرجت أتمشى ، أحرك عضلاتي ، فاستوقني المكان هنا .

– هيا نعود لغرفتنا فابننا بانتظارنا ، لقد تولينا أنا وهو مهمة تحضير العشاء في هذه الليلة ،  فهيا إلى مائدتنا الفاخرة في غرفتنا المتواضعة .  

 

 

 

 

 

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

هو، وهو،  و الهامش الفيروزي

Image result for ‫زورق في البحر‬‎

أسند ظهره للحافة الخشبية  وأراح كفيه في حضنه بعد أن تمطا ، وفرد ذراعية وطواهما ببطء ثم جلس بهدوء ، وراح يحدق في الطرف الآخر الفارغ من الزورق ، و التموجات الفيروزية تعلو وتهبط من حوله ، بحركة رتيبة متكررة ، ومع كل ارتفاع وهبوط تحرك زورقه،  تهزه ، وتغريه بأن يغلق جفنيه ويسلم نفسه لهدأة الكرى .

كان قد فرغ لتوه من فرد شباكه ، نظر حوله وأطمان إلى موقعه من البحر الذي خبره شبراً شبراً ، أطفئ محرك قاربه وجلس جلسته المعهودة في ركن الزورق  سامحاً لنفسه أن يأخذ قسطاً من الراحة ، فليس عنده ما يفعله إلا أن ينتظر .

الانتظار لعبة يتقنها الصياد ، وإذا ملها  فهذا يعني أن رزقه من البحر قد انقطع ، ولذلك يتفنن الصيادون في قطع ساعات الانتظار الطويلة بما يجلب البهجة إلى نفوسهم حتى لايتسرب الملل خلسة .

قبل أن يُرَكِبَ محركاً في زورقه كان يأتي معه ، كان هو يجدف فينساب القارب على صفحة الماء ، وبينما تغوص الشباك ببطء  بعد أن يرميها بحذر الخبير المجرب ،  كان يقول له :

(يدك مباركة . أنت ألق الشباك ليأتي الرزق الوفير).

 ثم يحتل كل واحد منها طرف من أطراف الزورق ويجلسا متقابلين ينتظران معاً ، كان للانتظار معنى آخر ، طعم  مختلف ، حيث ينساب حديث ودود هادئ حتى يتسلل النوم إلى جفنية ، وقتها كان هو يخرج كتابه من جعبته ويغوص في بحر حروفه . وكلما فتح عينيه وجده مازال في مكانه يحدق في الكتاب المفتوح أمامه ، فيتظاهر بأنه ما يزال نائما حتى لا يقطع عليه قراءته . ثم ينحى كتابه جانباً وينطلق يدندن أغنية بحرية من تلك الأغاني التي يتقنها الصيادون ، أو يترنم بقصيدة حفظها حديثاً ، وبين هذه وتلك ، وآونة وأخرى ،  يهتف صوته بين الهمس والكلام ( هل مازلت نائماً ؟ )

كان للانتظار معه طعم آخر .

***

واليوم وهو يحدق في تلك البقعة التي ظل هو يحتلها لأعوام وأعوام ، ذلك الطرف من القارب الذي ركب فيه محركه ( موتور )  انطلق لسانه دون وعي من يقول :

– (من كان يظن أن الدراسة ستسرقه مني )

 همهم وعينيه لم تفارقا زاوية الرزوق ، هناك كان يجلس , صورته لا تفارق مخيلته ، شاباً في مقتبل العمر وجه بيضاوي لوحته أشعة شمس بحرية ، وثغر دائم الابتسام يأسر الناظر ويصرفه عن التطلع إلى باقي ملامح الوجه .

***

عندما رحل والديه عن الحياة كان هو مايزال صغيراً صغيراً جداً على تحمل أعباء الحياة ، في الحقيقة كانا صغيرين وحيدين في الحياة ، أخوين رحل عنهما الأب والأم ، ولكن تلك الاعوام الست التي يكبره بها صنعت فارقاً مهماً ، فابن الستة عشر ربيعاً ، يفرق في الحياة عن ابن العشرة أعوام ،

وبمساعدة أعمامه انخرط  في سوق العمل ، نمت مهارته في صيد السمك ، وبيعه ، وتصريف أمور الحياة ، ومن بقية ورثة أبيه القليله ، ومدخراته البسيطه اشترى له قارباً ، وصار يخرج فيه للصيد مثل كبار الصيادين  أعطى عالم البحر كل نفسه ، وحرص أن يظل الصغير في مدرسته ، يتابع دراسة ،

وكان هو أيضاً يعمل على أن تكون له رجل في قارب الصيد ورجل أخرى في المدرسة ، فيخرج في قارب الصيد وكتابه معه ، وفي عطلة المدرسة كان ينخرج في عمل الصيادين كأنه واحد منهم .

كانت حياتهما معاً لها لون مختلف ، بريق جذاب تنال اعجاب الجميع من قريب أو بعيد ، حتى بعد أن تزوج وصار له اولاد ، لم يؤثر ذلك في طابع العلاقة بينهما ، ظل صغيره المدلل الذي يحظى بمكانته مميزة ، موضعه في النفس والقلب لاينازعه به أحد كائناً من كان ، وتلك الساعات التي يقضيها معه وحدهما على الزورق كانت بلسماً يتبلغ بها لتزول كل آلامه ومتاعبه ، فيعود للحياة بطاقة بكر لم تنال منها الأيام والليالي فيقدم على عمله بجد وود .

واليوم هو وحده في طرف الزورق ، يحاول أن يسبل جفنيه ليتظاهر بالنوم … ولكن علام التظاهر ، هو ليس هنا ، لقد طوى كتابه وأودعه حقيبة كتب كبيرة ورحلت حقيبة ورحل معها ، حملهما البحر بعيداً إلى بلاد غريبة  ، وحياة جديدة ، ليس فيها بحر ولا صيادين يرمون شباكهم ويجلسون بانتظار أن تسكن الاسماك تلك الشباك ، لم يعد ذلك الشاب الذي لوحته الشمس البحرية الذي يعيش واحدى رجليه  في البحر والأخرى في المدرسة .

***

عندما جاءه والفرح يتقافذ من عينيه ليخبره بأنه تخرج من الجامعة ، وأن ترتيبه الأول ، يومها ذهب واشترى محركاً ركبه في زاوية الزورق ، كان يدرك أن الجامعة سترسله ليكمل دراسته العليا ، ثم سيصير أستاذا فيها ، كان هو أكثر انسان يدرك أنه يعشق العلم ، فعندما كانا يجلسان متقابلين في ذلك الزورق الصغير ،  طالما حدثه عن علماء كبار كان يحلم أن يصير مثلهم ، كان وهو يحكى له عن دراسته كان كلامه فيه روح العاشق ، لاروح طالب يريد فقط أن يحصل على شهاده .

رحل بعيداً ولكن ذكراه لم ترحل ما زال طيفه يجلس هنا ، يسكن زاوية الزورق ، وعندما يعود لن تكون له رجل في القارب وأخرى في المدرسة , سيكون عالمه كله كتب في كتب ، متنه العمل هامشه فيروزي اللون  أمواجه تعلو وتهبط  تغري صياداً عجوز أن يطبق أجفانه مستسلماً لساعة حلم جميل  .

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

قالوا عن أبي

نتيجة بحث الصور عن محمد رواس قلعه جي

أجرت مؤسسة التقدم العلمي في الكويت  هذا الحوار مع  ,والدي  د .محمد رواس قلعجي (رحمة الله عليه ) ….. حول الموسوعة الميسرة وهي من أروع مؤلفاته

***

• نرحب اليوم بضيفنا العالم الموسوعي الأستاذ الدكتور محمد رواس قلعه جي ، الأستاذ في كلية الشريعة من جامعة الكويت ، ونتركه الآن ليقدم نفسه للقراء الكرام ، وإن كان فضيلته لا يحتاج إلى تعريف  .
ـ أنا محمد بن محمد رواس قلعه جي ، من أسرة عرفت بحب العلم والعكوف عليه ، فوالدي ـ رحمه الله تعالى ـ كان محباً للعلم والعلماء ، يستضيف فريقاً منهم كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة ، يأنس بحديثهم ، ولا يمل توجيهاتهم ، يحفظ الكثير من أشعار العرب ، وله شغف بمساجلات الشعراء،
ولدت في مدينة حلب ، ورضعت لبن العلم فيها ، ودرست دراستي الجامعية في كلية الشريعة من الجامعة السورية في دمشق ، وكنت في عداد الفوج الأول الذي دخلها وتخرج منها . وتابعت دراستي العليا حتى نلت شهادة الدكتوراة يمرتبة الشرف الأولى  من كلية الشريعة والقانون من الجامعة الأزهرية . عملت مساعداً علمياً في الموسوعة الفقهية في الكويت ، فباحثاً فقهياً ، ثم تركت العمل الموسوعي وعملت في التدريس الجامعي ، فدرست في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، ثم في جامعة الملك سعود في الرياض ، ثم في جامعة الكويت ، وما زلت فيها .
د. قلعجي ماهو منهجك في إصدار الفتوى ؟
الفتوى ليس ماركة مسجلة تعطى واحدة لكل طالب ، لأن المفتي لابد له من أن يراعي     حال السائل ، والعصر الذي تم السؤال فيه ، والمجتمع الذي يعيش فيه السائل ، وأموراً أخرى قد يكون لها أثر في تغير الفتوى ، ولذلك فإني أفضل أن يرجع في الفتوى في كل بلد إلى علماء ذلك البلد، لأنهم أدرى بأ حوال بلدهم ، وأعراف أقوامهم .
• د. قلعجي  إن الأعمال التي تقدمها  لا أكون مبالغاً لو قلت : إنها أعمال تعجز عنها دول * فقد قمت بتحقيق ثلاثة عشر كتاباًتراثياً لمشاهير  العلماءالعرب والمسلمين ونلت بها جائزة مؤسسة التقدم العلمي .
* وصغت عشرين مجلداً كبيراً في ( سلسلة موسوعة فقه السلف )
*  وجمعت فقه ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ وأصَّلته وقعَّدته ـ وأخرجته في مجلدين 
*  واليوم تقدم الموسوعة الفقهية الميسرة . عدا عن عشرات الكتب الأخرى ، فكيف اتسع وقتك لذلك ؟ 
أجاب القلعجي : هذه بركة من الله تعالى جعلها لي في وقتي ، أنا الآن أنظر إلى حجم كتاباتي ، فاستغرب كيف كتبت هذا كله ، ولو قلتَ لي الآن : هل تستطيع قراءة كل ما كتبه ابن تيمية ـ واستخراجه على بطاقات ، ثم ترتيبه وصياغته من جديد وعرضه عرضاً موسوعياً ؟  لأجبتك بغير تردد : لا أستطيع ، ولكن ذلك قد كان ، فأنا عندما أفكر بمشروع يملك المشروع عليَّ تفكيري ونفسي ، وأصبح لا أفكر إلا فيه ، ولا يبقى لي من هَمٍّ إلا إنجازه ، مقدماً ذلك على الأهل والولد ، فأنا استيقط قبل الفجر بساعة تقريباً أو أكثر ، فأصل قيامي ، وأقرأ حزبي ، ثم أجلس خلف مكتبي ، واستمر هكذا إلى الساعة العاشرة ليلاً ، لا أقوم إلا لصلاة أو طعام أو إلقاء محاضرة في الجامعة . ومع ذلك فإني أرى أن هذا ليس كافياً ، ولا تفسير لذلك عندي إلا بركة من الله سبحانه قد طرحها لي في وقتي، فله سبحانه الحمد والمنة
لقد  كان للدكتور قلعجي  مساهمة فعالة في مجال المعاملات المالية المعاصرة  وكيفية تخريج الأحكام للمعاملات المعاصرة  ولقد قام بتدريس  هذا المقرر  في الدراسات العليا في جامعة الملك سعود لعدة سنوات ونظراً بأن طالب الدراسات العليا  تدريبه على كيفية تخريج الأحكام للمعاصرة  فيتم توجيهه للبحث والمناقشة مع الطالب من خلال بحوث المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة  بالاقتصاد الاسلامي والبحوث المقدمة إلى المجامع العلمية والمتعلقة بالمعاملات المصرفية وصيغ وأدوات الاستثمار الإسلامي المعاصر ليتمكن طالب الماجستير والدكتوراة من مواكبة أحدث منتجات المصرفية والاستثمارية الإسلامية المعاصرة وقام بالإشراف ومناقشة العديد من  رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة في مجال الاقتصاد الاسلامي 

ويقول د. قلعجي عندما انتقلت إلى جامعة الكويت كلية الشريعة    وتم تكليفي بتدريس المعاملات المالية المعاصرة  لطلبة البكالوريوس وجدت ضرورة وضع كتاب  يسهل على الطلبة استيعاب وفهم المعاملات المالية الاسلامية في كتاب مقرر عنوانه (  المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة ) ويشتمل على خلاصة بحوث المؤتمرات والندوات  العلمية المتخصصة  في الاقتصاد الإسلامي  ورسائل الماجستير والدكتوراة   وعالجت في هذا الكتاب مسائل مستجدة مستمداً ذلك من ترائنا الفقهي  ومن اجتهاداتي الشخصية .
في ذكرى القلعجي ذكر آخر طالب له قبل أشهر عديدة من وفاته وهو د. هشام أحمد عبد الحي   لقد كان د. القلعجي مشرفاً على أطروحتي وكانت بعنوان (الصناديق والصكوك الاستثمارية الإسلامية ) و التي نلت بها الدكتوراة بدرجة ممتاز  فقد كان  للدكتور قلعجي أسلوباً بارعاً في التوجيه للبحث العلمي  و موسوعة في الدلالة على المراجع والكتب وبحوث المجامع العلمية وغيرها وأسلوبه في التشجيع على الارتقاء لطلبته بأريحية الأب العطوف .

 رحمة الله على والدي ، أسال الله له الدرجات العلى ، وأن يعطر مرقده ، ويسبع عليه من وافر منه وفضله وكرمه ، ولأا يحرمنا أجره ولا يفتنا من بعده ، أمين

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق